الحركات الإسلامية المغربية .. تفاوت في الأداء وتباين في المواقف والمرتكزات
إعداد: عبد الرحمان الأشعاري
تتوقف هذه الدراسة عند أداء الحركات الإسلامية المغربية سواء التي انخرطت في اللعبة السياسية، وأقصد بالتحديد حركة التوحيد والإصلاح الحليف الاستراتيجي لحزب العدالة والتنمية والتي هي في الأصل عبارة عن جماعتين إسلاميتين اندمجتا سنة 1996، وهما حركة الإصلاح والتجديد الموالية لكل من بنكيران ومحمد يتيم ورابطة المستقبل الإسلامي؛ أو الحركة الإسلامية غير المعترف بها رسمياً، أي لم تنخرط بعدُ في مؤسسات الدولة، والحديث هنا عن جماعة "العدل والإحسان"، التي تطالب الدولة المغربية بتوفير مجموعة من الشروط قصد الانضمام إلى العمل السياسي المؤسساتي، أبرزها استصلاح الحقل السياسي بإعادة توزيع السلطات، وتحديد الأدوار والصلاحيات من جديد.
أما باقي الحركات الإسلامية، فلن نتوقف عندها بسبب أفول حضورها التنظيمي واقتصار حضورها على نشر مقالات رأي أو المشاركة في بعض الندوات، أو الحضور الرقمي بشكل فردي أكثر منه مؤسساتي، والإحالة على جمعية/ حزب "البديل الحضاري"، والحركة من أجل الأمة، وما تبقى من "الشبيبة الإسلامية" التي تقيم أهم قياداتها في الخارج، وفي مقدمتهم الداعية عبد الكريم مطيع المقيم في العاصمة الإنجليزية لندن.
بتعبير آخر، لقد تراجعت "الحركة من أجل الأمة" وجمعية/ حزب "البديل الحضاري"، ومرد ذلك مجموعة من المستجدات أبرزها، تداعيات محاكمة "خلية بلعيرج"، التي انعكست سلباً على التنظيمين معاً، بعد تورط قياديين في هذا الملف الشائك، الذي يندرج في إطار قانون مكافحة الإرهاب، ونخص بالذكر كل من المصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري المحظور، ونائبه محمد الأمين الركالة، ومحمد المرواني، الأمين العام السابق لحزب الأمة.
وجب التذكير إلى أن السياق الزمني لأداء الإسلاميين المغاربة، مؤطر بين مطلع 2015 وصيف 2017، ونروم في هذا البحث، رصد أهم المواقف ذات الصلة بأداء هذه الحركات الإسلامية المغربية.
جماعة العدل والإحسان: مقتضى ما بعد الشيخ عبدالسلام ياسين
في استجواب له مع يومية محلية، نفى فتح الله أرسلان الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، أن تكون الجماعة قد تراجعت في أدائها وأن يكون هذا التراجع مرتبط بوفاة المرشد والموجه الشيخ عبدالسلام ياسين.1
وقال أرسلان في الاستجواب نفسه، ما يوصف "بالتراجع مجرد انطباع وحكم جاهز يقوله البعض في كل الظروف ضدا على الواقع وعلى ما يقوله أغلب المتابعين، وهو لدى البعض رغبة أمنية أكثر منه حكما"، وأشار إلى أن "الرأي السائد اليوم هو عكس ذلك تماما، بما فيه حتى الجهات الرسمية، حيث تتم إثارة دور الجماعة وتأثيرها في مجمل الأحداث والاحتجاجات والإضرابات حيثما كان هناك زخم اجتماعي جماهيري"، مبينا "لو كانت قوة الجماعة رهينة بالحضور الجسدي للرجل يقصد الشيخ عبدالسلام ياسين، لما استطاعت الجماعة أن تخطو خطوة واحدة مدة سنتين إبان اعتقاله بين سنتي 1983 و1985، ومدة عشر سنين إبان الإقامة الجبرية المخزنية، التي حصرت حركته منذ سنة 1989 إلى غاية منتصف سنة 2000، وأضيف إلى اعتقاله كل أعضاء مجلس الإرشاد بين 1990 و1992، في وقت يشهد الجميع أن الجماعة لم تحافظ على ذاتها فيها فحسب، بل توسعت توسعا كبيرا وازدادت تماسكاً وقوة بما جعلها تصمد في وجه كل محاولات التشتيت والاحتواء".
لكن الواقع يسجل غير ذلك، إذ عاشت الجماعة بعد مرور ثلاث سنوات على وفاة مؤسسها الشيخ عبدالسلام ياسين فراغاً تنظيمياً متوقعاً بسبب غياب الشيخ المؤسس، وبسبب عجز أي عضو في الجماعة، سواء كان في مجلس الإرشاد أو الدائرة السياسية، على تعويض المكانة الرمزية الكبيرة للشيخ عند الجماعة2، ودليلنا في ذلك أن الجماعة لم تستطع أن تحرز أي تقدم ملموس في ملف الاعتراف السياسي، وإيجاد بالتالي تسوية مع النظام المغربي، وظل الملف على حاله جامداً، على الرغم من صعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي للسلطة وموجات "الربيع العربي" التي عاشتها بعض دول المنطقة، ومنها المغرب الذي عرف ظهور حركة 20 فبراير.
اقتصرت أجندة الجماعة على الأنشطة الثقافية والاجتماعية، أو تنظيم الوقفات المساندة لبعض قضايا الساحة الإسلامية، مثل الوقفة التي نظمها القطاع النسائي لجماعة العدل والإحسان بتاوريرت، يوم الأربعاء 30 مارس 2016، استجابة لنداء "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة"بتخليد ذكرى يوم الأرض.
ويفسر محللون تراجع الجماعة وانحسار مدها الشعبي في السنين الأخيرة بحدثين هامين، الأول داخلي بنيوي، يرتبط بالجماعة نفسها، ويهم طبيعة التغيرات التي عرفتها بعد وفاة مرشدها الأول، إذ بقي التنظيم محافظا على شكله الهرمي الصارم، الذي يكرس علاقة التابع والمتبوع (الشيخ والمريد)، كما أن مصير الجماعة ومستقبلها في ما بعد مرحلة عبد السلام ياسين أصبح بين دائرة ضيقة من الجيل الأول الذي عايش مراحل التأسيس الأولى (جيل المرشد الأول)، الذي يمثله كل من المرشد الحالي محمد العبادي، ونائبه فتح الله أرسلان، وعبد الواحد متوكل، رئيس الدائرة السياسية.. هذا الجيل الذي تشبع وظل وفيا للخط السياسي والأهداف التي سطرها الشيخ ياسين، لم يستطع الخروج من عباءته، فيما بقي تأثير الجيل الثاني جد محدود في صناعة القرار داخل الجماعة، ويمثله كل من عمر أحرشان، وحسن بناجح، ومنير الجوري، صراع بين جناحين في إطار التبلور لم يأخذ شكله بعد، إذ حسمه مرحليا الجناح الأول، بدعوى المشروعية التاريخية والنضالية (الاعتقال، السجون)، أما الحدث الثاني فيتعلق بالسياق العام، المرتبط بالحراك الشعبي الذي عرفته المنطقة العربية عامة والمغرب خاصة خلال أواخر سنة 2010، إذ انخرطت الجماعة بكل قوة في حركة 20 فبراير، وشكلت خلال فترة الحراك النواة الصلبة، والمزود الرئيسي للحركة بالإمدادات البشرية العريضة في القرى والمدن، غير أن تكتيك الانسحاب، فعل أثر على حركية الجماعة وزاد من عزلتها".
وفيما يخص العلاقة مع الدولة، فإنها ما تزال تخضع للعبة شد الحبل، فالجماعة ما تزال مُتشبثة بمواقفها ورافضة للانخراط في الحياة السياسية، وفكرة تأسيس أو التحول إلى حزب سياسي وبالتالي المشاركة في الانتخابات ودخول مؤسسات الدولة4؛ ويعود جوهر المشكل في هذه القضية، حسب عبد الواحد المتوكل، رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، إلى أن "الحديث عن نجاح النموذج المغربي واستقراره السياسي وعن كونه قد تجاوز عواصف الربيع العربي بسلام، حديث فيه كثير من المبالغة، وهو أقرب إلى الدعاية منه إلى الوصف الدقيق لما هو ماثل على الأرض"، يشرح الدكتور عبدالواحد المتوكل، رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، في "حوار الشهر"، الذي خصصه الموقع الرسمي للجماعة حول موضوع "الدخول السياسي الجديد.. المغرب إلى أين؟"، وأشار إلى أن "تحاليل كثيرة ومن جهات متخصصة لا يمكن اتهامها بأنها معادية للمغرب أو النظام المغربي، كلها تحذر من ديمقراطية الواجهة والانخداع ببعض التغييرات التجميلية التي لم تغير من طبيعة النظام السياسي شيئا"، مضيفا "لا يزال الملك وأعوانه ومستشاروه يحتفظون بالسلطة الحقيقية، ويتخذون جل القرارات الهامة، تاركين الهوامش للحكومة والبرلمان وغيرهما من المؤسسات، ولذلك لا تزال ثقة أكثر المغاربة في النظام السياسي القائم متدنية إن لم تكن منعدمة، ونسبة العزوف عن الانتخابات الأخيرة خير دليل على ذلك، وهذا رغم الدعايات الواسعة، والأموال الطائلة التي أنفقت لتقليل نسبة العزوف واستعادة ثقة الناس في العمل السياسي الرسمي".5
وتساءل المتوكل قائلا "لست أدري كيف يطلب إلينا أن نغير سلوكنا السياسي ومواقفنا والحال أن المغرب لا يزال يخضع للعقلية نفسها التي أفرزت المآسي التي نعيشها اليوم، ويدار بالطريقة نفسها التي درج عليها منذ عقود، فما الذي تغير حتى نتغير؟ لذلك سنواصل عملنا الرافض للفساد والاستبداد وبكل الوسائل المشروعة"، مؤكدا أن الجماعة ليست ضد "الانخراط في العمل السياسي بمعنى تأسيس حزب سياسي واعتماد مقار وإصدار جرائد أو مجلات وغير ذلك من الوسائل والأنشطة المرتبطة بالعمل السياسي عادة، فلسنا نحن من يرفض ذلك، والسؤال ينبغي أن يوجه لأصحاب القرار، فهم الذين يمنعوننا من ممارسة حقوقنا، وتحظر المبادرات التي نقوم بها من أجل التواصل مع الناس، والتعريف بأفكارنا ومشروعنا واقتراحاتنا حول القضايا المطروحة".6
ويلخص فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة، في استجواب مع المساء عدد 2860 الصادر بتاريخ 19-20 دجنبر 2015، شروط الدخول إلى اللعبة السياسية، فيقول "هل تعجيزي أن نطالب بالتداول على السلطة بناء على انتخابات جادة وشفافة تفرز مؤسسات مسؤولة وتفرز من يحكم حقيقة لا شكلا، وتربط فيها المسؤولية بالمحاسبة، وتفصل فيها السلطة عن الثروة، ويكون فيها القضاء مستقلاً؟".7
وفيما يخص مفهوم الدولة الذي تنظر له الجماعة في ورقتها المذهبية، نسجل تضاربا صارخا في شرح هذا المفهوم، فتارة تقول الجماعة بالدولة المدنية8، وتارة أخرى بما يُصطلح عليه "الخلافة على منهاج النبوة"9 أو "القومة الإسلامية" حسب التداول السائد في أدبيات الجماعة التي حررها عبد السلام ياسين.
هذا التضارب نجده كذلك في الوثيقة الأوضح في عرض علاقة الجماعة بنظام الحكم الذي تدعو وتنظر له، وهي الوثيقة المنشورة بموقع الجماعة بتاريخ 20 دجنبر 2011، والمعنونة بـ"جماعة العدل والإحسان.. الهوية.. الغايات.. المواقف.. الوسائل"، بحيث في الوقت الذي تؤكد فيه هذه الوثيقة على نبذ العنف وعلى إقامة نظام سياسي يكون الإسلام قاعدته، والشورى والعدل ركيزته، والإحسان روحه، تؤكد في الوقت نفسه، على ضرورة القبول بالمشاركة والتعددية وسيادة القانون وسلطة المؤسسات والاحتكام إلى الشعب والتداول على السلطة والحريات العامة وفصل السلطات، وهي قواعد أساسية في العملية الديمقراطية، إلا أنها في نظر الجماعة لا تعدو أن تكون شطرا فقط مما تبتغي تحقيقه، أما الشطر الآخر المغيب في الديمقراطية فيتمثل في كونها "لا تقترح على الإنسان مخرجا من الكفر، وهو الظلم الأكبر"، كما أنها تعتبر الديمقراطية "فلسفة ضد الإسلام"، و"آلية مقطوعة عن الله" وأنها ملازمة للعلمانية".10
محمد عبادي الأمين العام الحالي لجماعة العدل والإحسان بدوره، تحدث في سلسلة "مجلس الحديث"، التي تعرضها قناة الشاهد الإلكترونية، عن الخلافة على منهاج النبوة وقال إن "صفة الرشد التي اكتسبتها الخلافة الأولى لأنها كانت على منهاج النبوة"، مبينا أن "العلماء والمؤرخون تواضعوا على تسميتها بالخلافة الراشدة، تمييزا لها عن غيرها من الدول، ودامت مدتها ثلاثين سنة"، كما بين أن "الخلفاء الراشدون أسسوا عمراناً إسلامياً اتبعوه في أحوالهم الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية"، ويسترسل الأستاذ عبادي في حديثه عن الخلافة في السلسلة نفسها، فيقول "إن من بين ضرورات الخلافة أنها تمنح المسلمين دولة واحدة"، متسائلاً في الوقت نفسه هل دولة الخلافة ستضم المسلمين كل المسلمين، سنة وشيعة؟ كيف سيكون الخليفة، سنيا أم شيعيا اثني عشري أم زيدي من الحوثيين..؟ هل سيقبل الشيعة بذلك؟ ألا يدعوا شيعة إيران إلى دولتهم للخلافة/الإمامة حينما أقاموا ولاية الفقيه؟".11
لقد خلف هذا الطرح النظري ردود فعل قوية من طرف باقي مكونات المجتمع المدني، بحيث تم شن حملة ضد الأمين العام للجماعة، محمد عبادي، تعتبر الشيخ جاء فقط بهذا الشريط من أجل تبرير العنف والإرهاب عندما استند على مقولة تاريخية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، تلح على ضرب عنق كل من اعترض على اختيار خليفة له، ما جعل عبادي يعود في خروج إعلامي آخر إلى إثارة موضوع الخلافة مدافعاً عن تصور جماعته، ومؤكداً أنها "لا تتحدث عنها في المغرب"، لأنها "لا يمكن أن تقوم إلا على أرض المسلمين جميعاً"، مضيفاً في حوار مع يومية مقربة من الحركات الإسلامية، أن الخلافة لا يمكن أن تتحقق "عن طريق أنظمة مستبدة، بل عن طريق تحرير الأمة من القهر والجبروت"، معبرا في الوقت نفسه عن غضبه، مما وصفه "حملة مسعورة" نالت منه ومن جماعته، وتوسلت "اتهامات لا حصر لها من السب والشتم والتبديع والتضليل والاتهام بالداعشية"، مستنكرا كل ذلك، لأن جماعته "لا تريد لهذا البلد، ولكل الناس، إلا الخير"، وأنها "تحمل رسالة رحمة إلى أنفسنا وإلى غيرها"، وقال "إن الجماعة منذ تأسيسها وهي ترفع شعار نبذ العنف، والدعوة إلى الرفق، ولن نتخلى عن هذا الشعار".12
فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، والناطق الرسمي باسمها، اعتبر بدوره أن المتتبعين لجماعته يجب أن يميزوا بين شيئين: الأول أن الاهتمام بمشروع الخلافة "هو جزء من اهتمامنا وليس كله"،إذ إن الجماعة "منخرطة في بلدها، وفي الحراك الاجتماعي القائم، وتهتم بقضاياه الحيوية، وتنتقد السياسات العمومية، ومنفتحة على فعالياته"، أما الشيء الثاني فهو "رؤيتنا للعالم الإسلامي ومستقبله كقوة حضارية يجب أن تتوحد، ما دمنا نعيش في عصر التكتلات"، مؤكدا أن من حق الجماعة أن تكون لها "نظرة استراتيجية، كما من حق الأممية الاشتراكية أو الليبرالية أن تتوحد، لذلك لا يجب منع المسلمين من التفكير في هذا الحق"، متسائلا: "هل يمكن منع الاشتراكيين من التفكير في أممية اشتراكية، أو الليبراليين"، مؤكدا أن "المسلمين تجمعهم مقومات كثيرة ويجب بذل الجهد من أجل تحقيق هذه الغاية"، كما اعتبر الناطق الرسمي باسم جماعة العدل والإحسان، أن التمايز في مشروع العدل والإحسان بين ما هو خاص بجميع المسلمين وما هو خاص بالمغرب، كان قائما منذ البداية في كتابات الجماعة ومؤسسها، مؤكدا أن الناس "يخلطون حين نتحدث عن الخلافة، للقول إن الشيخ ياسين أو عبادي يريد أن يصبح خليفة المغرب"، وأوضح أرسلان أن الخلافة طرحتها الجماعة منذ البداية كمشروع لعامة المسلمين في جميع الأقطار، أما المشروع الذي تطرحه العدل والإحسان للمغرب فيرمي إلى تحقيق "دولة ديمقراطية مدنية".13
كما دخلت الجماعة كذلك على خط النقاش الدائر حول قضية مراجعة وإعادة النظر في برامج ومناهج "التربية الدينية"، ونشرت على موقعها الإلكتروني على الأنترنت، مقالات ودراسات تتناول هذا الموضوع، وتطرح وجهة نظرها وتصورها، ويمكن أن نلخص الاتجاه العام لموقف الجماعة، والذي لا يختلف إجمالاً عن موقف الحركات الإسلامية، الإخوانية والسلفية، في التأكيد على أن "مفهوم التربية الدينية، الذي أقحم في مجال التداول التربوي والإعلامي، مفهوم دخيل تحوم حوله شبهات الغموض في الدلالة والمرجعية والمقصد".14
ونسجل كذلك أن الجماعة كانت توجه سهام انتقاداتها بين الفينة والأخرى صوب الحكومة المغربية السابقة التي كان يقودها "الإسلامي الحركي" عبد الإله بنكيران، الرجل الأول في التنظيم الإسلامي الحركي الذي ينافس الجماعة على قيادة المشروع الإسلامي الحركي، فيما خفتت هذه الانتقادات مع الحكومة الحالية التي يقودها سعد الدين العثماني15، الرجل الثاني، تنظيمياً في ذات المشروع.
وإجمالاً، فالجماعة التي تعتبر حركة إسلامية خالصة16، تسير في اتجاه مختلف عن الخط الذي تسير فيه حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، وما تبقى من التنظيمات الإسلامية الحركية، وإن زعم كل اتجاه أنه يُمثل الصواب من منظور [مرجعية] العمل الإسلامي الحركي، وإن كانت الجماعة تتميز في هذه الجزئية بأنها حركة إسلامية مغربية خالصة، مقارنة مع باقي التيارات التي ارتبطت سابقاً أو حالياً بمشاريع إسلامية حركية إقليمية أو دولية.
حركة التوحيد والإصلاح: إغراء الانتشار وعوائق التمكين
أولى محطات الفترة الزمنية المعنية بهذا المحور، تميزت بعقد حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب عبد الإله بنكيران، جمعها العام الخامس تحت شعار "الإصلاح تعاون ومسؤولية"، يوم الجمعة 8 غشت من سنة 2014، بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بمدينة الرباط، وكما كان منتظراً عند متتبعي الشأن الداخلي لمشروع الحركة والحزب، فقد تمّ انتخاب إسم محسوب على الرجل الأول في المشروع، أي عبد الإله بنكيران، وهو عبدالرحيم الشيخي، العضو السابق بديوان رئيس الحكومة المعزول عبد الإله بنكيران، والذي أصبح الرئيس الجديد لحركة التوحيد والإصلاح، متجاوزاً بذلك أسماء كانت تحظى بحظوظ أكبر، من قبيل أحمد الريسوني وأوس الرمال وسعد الدين العثماني وعبدالسلام بلاجي وآخرين لم يسمح لهم حتى بطرح أسماءهم كمرشحين.
وبصعود الشيخي تأكد مرة أخرى، ثقل بنكيران التحكمي في أداء تنظيمات المشروع 17، سواء تعلق الأمر بالحركة أو الحزب أو النقابة أو التنظيم الطلابي أو القطاع النسائي أو المنابر الإعلامية.. إلخ، واتضح ذلك من خلال تبعات حضور بنكيران في أشغال المؤتمر، وهو الحضور الذي كانت آثاره واضحة على سير عملية التصويت، وستقلب الموازين، بعدما أعطى الإشارة للمشاركين الذين كان يتواجد عدد كبير منهم داخل الجمع العام، بدعم عبدالرحيم الشيخي، وهو ما جعل هذا الأخير يحصل على 296 صوتا بنسبة بلغت 55 بالمائة، فيما نال أحمد الريسوني ثقة 200 مندوب صوتوا لفائدته، بعد ثلاث جولات من التصويت والاقتراع.
ويرى متتبعون أن وضع الشيخي، الذي عمل منسقا لمجلس الشورى، ومسؤول العلاقات الخارجية للحركة، على رأس حركة التوحيد والإصلاح "الذراع الدعوي" لحزب العدالة والتنمية18، أراح بالخصوص بنكيران الذي سيجد نفسه آمنا من مواقف غير محسوبة للحركة في حالة لو تم انتخاب الداعية والباحث أحمد الريسوني، المعروف بمواقفه السياسية والدينية، ذات الصلة بالارتباطات الخارجية، لأنه يشغل منصب نائب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين19، الذي يوجد مقره في قطر، ويتعلق الأمر بمؤسسة دينية إخوانية المرجعية، تابعة سياسياً للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، يترأسها الشيخ يوسف القرضاوي؛ ويصعب حصر مواقف داعية الحركة والحزب والمشروع، ونتوقف عند نموذجين اثنين:
1 ــ مطالبته بفك الحصار المضروب على قطر، على هامش اندلاع أزمة سياسية بين السعودية وقطر في منتصف 2017، حيث اعتبر أن "تمزيق الحصار على قطر كما مزق أشراف مكة الحصار على النبي (ص) واجب شرعي وأخلاقي".20
2 ــ تصريح لأحمد الريسوني خلال إلقائه لمحاضرة بمدينة مكناس، مفاده أن "اعتقال السعودية للعلماء ظلم واستبداد وفرعونية"، وصف ما قام به النظام السعودي بأنه "اختطاف وعمل عصابات"، وهو تصريح منسجم مع البيان الذي نشرته حركة "التوحيد والإصلاح"، والذي اعتبرت فيه أن "أي اعتقال لمَن لم يرتكب عملا يُجَرِّمه الشرع أو القانون، هو ظلم واعتداء وتعسّف".21
وفي هذا السياق، نقرأ دلالة تدوينة رقمية لمستشار برلماني عن حزب العدالة والتنمية [علي العسري]، هاجم فيها السعودية بسبب إجراءات الحج، العلاقات المغربية السعودية تحت المجهر، حيث سارعت على إثرها الرياض إلى الرد ببلاغ رسمي عبر سفارتها بالرباط على "الخرجة المثيرة"، مشددة على أنها "لا تسمح لكائن من كان بالتدخل في شؤونها الداخلية"22، وهذا أمر متوقع، ما دامت تتفاعل بشكل تلقائي مع مضامين مواقف الداعية والباحث أحمد الريسوني الذي يُعبر عما يُؤمن به أغلب قادة المشروع، وإن كانت بفعل ذلك عبر توظيف ثنائية "الموقف من الخارج ــ الموقف من الداخل".
المتتبعون لمسار حركة "التوحيد والإصلاح"، وخاصة المتتبعون من الداخل، أو الذين كانوا ينتمون إلى هذا المشروع الإخواني، ولكنهم أعلنوا الانفصال عنه، أو أخذوا مسافة تنظيمية منه، يرون أن الحركة تعاني من أزمة قيادة بعد إقالة الداعية والباحث أحمد الريسوني ورحيل عدد كبير من الرموز إلى حزب العدالة والتنمية، وبينوا أن هذا الرحيل خلف نزيفاً داخل الحركة، لم تستطع أن توقفه منذ المؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1996، كما زاد انحصار عمل الحركة في الوظائف الثلاث (التربية والدعوة والتكوين) من تعميق هذه الأزمة، بحكم أن غالبية أعضائها لم يروا أي جاذبية في هذه الوظائف، فالتحقوا بالهيئات الأخرى الحزبية والنقابية والاجتماعية، مستدلين على ذلك بأداء الحركة وحضورها المتواضع على المستوى المجتمعي وضعف نسبة الاستقطاب فيها.
وتأسيسا على ما سبق، وبفعل الهيمنة المتوقعة التي يُكرسها الرجل الأول في المشروع، لا زالت الحركة بعيدة عن تحقيق ما كانت ترومه من التأسيس، أي "تأسيس حركة دينية مدنية تشتغل على التقويم والإصلاح في مجالات التدبير والتوجيه والترشيد التربوي والأخلاقي وإقامة الدين في الفرد والأسرة والدولة والأمة"، كما لم تستطع أن تمغرب إطارها الفكري والمرجعي وتؤسس لنمط من التدين المغربي يستقي أفكاره من رموز السلفية الإصلاحية قديماً وحديثاً مثل أبي شعيب الدكالي وشيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي، مرورا بمحمد المختار السوسي وعبدالله كنون وعلال الفاسي، وتتخلص بالتالي من تأثير مرجعيات وأدبيات السلفية الوهابية وجماعة الإخوان المسلمين القادمة من المشرق العربي.
ويدعم هذا الطرح أن مسؤولو حركة التوحيد والإصلاح، بإقرار أحد القياديين في المشروع "لا يخفون استفادتهم من التراث الحركي والفكري لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التنظيمات الإسلامية المشرقية، ومن أراد أن يتوسع في ذلك ويعرف ترسبات الفكر السلفي التقليدي في المرجعية الفقهية للحركة أن يطلع عما كانت جريدة التجديد تنشره من فتاوى وآراء فقهية، وهذا يؤثر ليس فقط في الحالة الدينية في المغرب، بل كذلك في السلوك السياسي والتشريعي للحزب الأول في البرلمان، الذي يجد صعوبات كبيرة في التكيف مع بعض المطالب الحقوقية نظرا إلى مرجعيته الفقهية التقليدية".23
تجليات سيطرة بنكيران على كل من حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح، ستظهر مرة أخرى، عندما سيقرر الحزب مساء يوم السبت 28 ماي 2016، تمديد فترة ولايته، ما سيسمح له برئاسة حكومة البلاد في حال تصدر حزبه الانتخابات البرلمانية، المزمع تنظيمها في 7 أكتوبر 2016.
جاء ذلك عندما صادق مؤتمر استثنائي لحزب العدالة والتنمية في العاصمة الرباط على مشروع قرار قدمه المجلس الوطني للحزب، يقضي بتأجيل إجراء المؤتمر العادي، المقرر عقده في يوليوز المقبل، لانتخاب قيادة جديدة للحزب، إلى نهاية سنة 2017، وما يثير الدهشة في هذه القضية هو بلوغ نسبة المصادقة على هذا القرار حوالي 95 في المائة.
كما كان متوقعاً عند متتبعي أداء المشروع، لم يكن هيناً تفعيل ما يُصطلح عليه بـ"التمييز بين الديني والسياسي"، حيث تأكد عجز المشروع عن إحداث مسافة تنظيمية بين الحركة والحزب، وهو ما جعل بعض أعضاء الحركة "يجدون أنفسهم متورطين في نقاشات حزبية بحتة، وبنزعة صدامية واضحة أحياناً، وإلى الآن يقفون صفا مرصوصا خلف حزب العدالة والتنمية، ولا ينتقدونه أبدا، لا في المعارضة ولا في الحكومة، ويتصرفون كذراع دعوي أو سياسي للحزب، كما أن الحركة لا تبدي أي اتجاه نقدي إزاء سياسة الدولة، وخاصة في الحقل الديني، وتتصرف كفاعل سياسي مطوق بواجب التحفظ وضرورات التوافق مع الدولة حول الكثير من القضايا الحساسة، في حين أن الذي يجب أن تفعله هو أن تتحرك كفاعل مدني مستقل عن كل الأطراف السياسية، وتشارك في ترشيد الحالة الدينية بفكر مستنير وجريء يتوافق مع العصر".24
تميز أداء المشروع بتبعات العديد من قضايا ذات طابع أخلاقي التي خلفت أثاراً سلبية على صورة المشروع الإسلامي بشكل عام، وهذا المشروع بشكل خاص، بمقتضى انخراط أعضاء المشروع في العمل السياسي المؤسساتي، بخلاف السائد مع المشروع الإسلامي الحركي المنافس، أي مشروع جماعة العدل والإحسان.
ومن بين هذه القضايا تلك التي كشفت عنها وسائل الإعلام في صيف سنة 2015، وأسالت الكثير من المداد داخل وخارج المغرب، وتورط فيها كل من صحافي في فضائية "الجزيرة" القطرية، الإعلامي المصري أحمد منصور وبعض أعضاء الحركة والأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وقد تطورت هذه القضية خاصة بعدما كشفت عضوة في صفوف حزب بنكيران، كريمة فريطس تفاصيل مثيرة عنها، وذلك خلال جلسة الاستماع إليها أمام وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بعاصمة المملكة الرباط، بحيث اعترفت أنها أبرمت عقد زواج عرفي بأحمد منصور، موضحة أن العقد كان شرعياً ولم يكن قانونياً بمعنى أنه لم يسجل وفق المسطرة القانونية المعروفة في المملكة المغربية، قبل أن تتراجع لاحقاً في تصريحات إعلامية، نافية أن يكون هناك أي عقد عرفي، مؤكدة أن جل ما حدث هو خطبة، وثقت ببيان، على أساس إتمام إجراءات الزواج بعد أن يحضر وثائقه، على اعتبار أن مسطرة الزواج بأجنبي ليست هينة، كما نفت في الحوار نفسه أن تكون هناك أية وساطة في الزواج بينها وبين أحمد منصور من قبل أي كان وخصوصا الأسماء التي تم تداولها من قبل مختلف الصحف والمواقع الإلكترونية.25
لكن الذي أسال المداد أكثر، ليست مواقف العضوة في الحزب، التي تعرفت على أحمد منصور أثناء انعقاد المؤتمر الوطني السابع لحزب العدالة والتنمية، الذي شاركت فيه كمتطوعة، وكانت مهمتها هي استقبال الضيوف الأجانب والمساعدة على إيصال المعلومات الكاملة عن الحزب، وإنما رد فعل المعني، من خلال نشر مقالة نقدية ضد المسؤولين والإعلاميين المغاربة، نقتطف منه ما يلي، لدلالته التي ستبزغ لاحقاً:
ــ "لم تجد الصحف الصفراء في المغرب التي يديرها بعض الساقطين والقوادين وسفلة السفلة من سياسيين وإعلاميين ممن يعيشون في المستنقعات ويقتاتون على المحرمات والرذائل؛
ــ أنتم وأمثالكم ممن يرتدون ثوب الصحافة والإعلام لستم سوى مجموعة من المرتزقة والأفاقين والشواذ وشذاذ الآفاق عبيد أسيادكم؛
ــ أنتم لستم سوى مجموعة من الحشرات والطفيليات التي تعيش في المزابل والمستنقعات لا تستحق سوى الدهس بالحذاء".26
وساهم الاعتذار الصادر لاحقاً عن الإعلامي المعني27، في تسوية القضية، وصرف النظر عنها، دون تسوية دلالاتها السياسية، من قبيل تبعات نشر الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية المقالة النقدية سالفة الذكر، كاملة، متضمنة عبارات السب والقذف، رغم أن الأمر بتعلق بموقع رسمي لحزب سياسي يقود الحكومة.
ومن القضايا التي شوشت نسبياً على صورة المشروع، قضية شخصية، تهم خطوبة وزيران سابقان في الحكومة السابقة، وهما الحبيب الشوباني وزميلته في الحزب سمية بنخلدون، ومردها إقدام الشوباني على الزواج بزوجة ثانية، في سياق مجتمعي وسياسي يُشوش نوعاً ما على سياسة الدولة في التعامل مع قضايا المرأة، ولو أن الانتقادات التي صاحبت الواقعة، كانت تهم بالدرجة الأولى مدونة الأسرة، وقد انتهت فصول هذه الواقعة بإقالة الوزيرين من مهامهما، وإصدار بلاغ عن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية نقرأ فيه أن الإقالة جاءت "تقديراً منهما لما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد وتجربتها الإصلاحية، ومن أجل وضع حد للتشويش السخيف عليها، وخصوصاً المتاجرة الرخيصة بأعراض الناس".
وقد كشفت الوزيرة سمية بنخلدون لمقربيها عن بعض تفاصيل القضية قائلة إن "زواجها الأول لم يكن مستقراً"، وزادت موضحة "عقود مضت وأنا صابرة من أجل أبنائي والشوباني كان أخاً وصديقاً قبل أن يفاتحني في الزواج"، وكشفت أيضاً أن "الحب ليس حراماً ونحن لم نفعل أي شيء خاطئ كلانا اختار الطريق الشرعي من أجل توطيده، لكن كلانا حتى قبل أن تثار هذه الضجة قررنا تأجيل الزواج إلى ما بعد انتهاء هذه الولاية الحكومية".28
من بين القضايا التي ارتبطت بقيادات المشروع، مجموعة من حالات تدخل بعض القياديين لإدماج أعضاء المشروع في مؤسسات الدولة، الرسمية أو في القطاع الخاص، من قبيل تلك التي كشفت عنها بعض وسائل الإعلام في مارس 2016، حيث صادق على تعيين عضو ديوانه المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، محمود عبدالسميح، في منصب مدير الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، دون أن يكون اسمه ضمن لائحة المرشحين للمنصب، ودون إجراء أي مقابلة للانتقاء مع لجنة الترشيحات29، أو استفادة امحمد الهلالي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، من منصب مدير الشؤون القانونية بوزارة السكنى وسياسة المدينة، بمقتضى التحالف السياسي بين حزب التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية تقضي بتعيين المنتمين للحزبين في المناصب العليا ومناصب المسؤولية بالوزارات التي يُسيرها الحزبان"30، وتصب مثل هذه المبادرات في سياق تغلغل مشروع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية في مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، ما دام الأمر يتعلق بحركة إسلامية معترف بها من طرف الدولة المغربية، ولذلك من الطبيعي أن نعاين استغلال الحركة لكل الفضاءات الرسمية والجمعوية لكي تمرر خطابها، على غرار السائد مع باقي الفصائل السياسية والإيديولوجية31، ومن ذلك مثلاً، بعض أسباب ترويج المشروع لمشروع جمعوي على صعيد جهات الوطن، فـ"بعد "كتائب البيجيدي" يعد "إخوان المغرب" العدة لإخراج "كتائب الجمعيات" لتُظهر في العلن، بعد أن تستفيد في هذا المجال من طرف الوزارة الوصية التي يُسطر عليها العدالة والتنمية منذ سنة 2011 نظراً لأهميتها وفق مخططاتها، خصوصاً أن هذه الجمعيات تلعب دوراً مهماً في تحقيقه لما يحققه من نتائج في الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية، حيث أعلن مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة، المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن إطلاق "برنامج تقوية قدرات الجمعيات في مجال التفاعل مع المنظومة الأممية لحقوق الإنسان"، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تندرج في "إطار دينامية وطنية، ويروم البرنامج تأهيل 1200 فاعل جمعوي"32.
الحضور الإعلامي والبحثي للإسلاميين المغاربة
يُحيلنا موضوع الانتشار المجتمعي للحركات الإسلامية، سواء على الصعيد المؤسساتي أو الجمعوي، على أحد أهم طرق الانتشار والتأثير والدعاية، أي البوابة الإعلامية، لأن وسائل الإعلام، التقليدية والعصرية، الورقية والرقمية، تعتبر من أهم المحطات التي عرفت انتشاراً كبيراً للأقلام الإسلامي الحركية، سواء تعلق بالمنابر الإعلامية الناطقة باسم هذه المشاريع، أو المنابر الإعلامية التي تُصنف في خانة المنابر الخاصة أو المستقلة، ولكنها تابعة إيديولوجياً للمشروع الإخواني، أو المنابر المنافسة، التي لا علاقة لها بالمشروع الإسلامي ولكنها تعرضت لاختراقات من طرف إعلاميين إسلاميين. ويصعب إحصاء عدد الحالات، لأننا إزاء ظاهرة متفشية، ولكن يكفي التوقف عند بعض النماذج:
أ ــ ففي الحالة الأولى، يتعلق الأمر بجميع الصحف الورقية والرقمية والمجالات والمنصات والكتائب الإلكترونية، الناطقة باسم المشروع الإسلامي، ويوجد في مقدمة هذا الحضور، الواجهة الإعلامية لمشروع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، كالموقع الإلكتروني للحركة والحزب وباقي المؤسسات.
ب ــ وفي الحالة الثانية، يمكن أن نتوقف على سبيل المثال، عند حالة صحيفة "أخبار اليوم"، والتي تدافع في خطها التحريري عن مشروع حزب العدالة والتنمية، ليس فقط بسبب ضمها مجموعة من الصحافيين الإسلاميين، بما فيها مدير الجريدة الذي لديه تجربة إسلامية حركية مع "الحركة من أجل الأمة"، ولكن أيضاً لأن التحالف مع الحزب الذي يقود الحكومة، يُخول للجريدة الظفر بالدعم المالي عبر بوابة الإشهارات، على غرار السائد مع صحف أخرى، مع فارق أن الأمر يتعلق هنا بحالة مشروع إسلامي حركي.
ويتضح ذلك في مضامين الملفات الأسبوعية للجريدة، حيث غالباً ما يتم استدعاء باحثين إسلاميين من حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية للإدلاء بآراء في موضوع الملف، ولكن دون الإشارة إلى الانتماء السياسي لهؤلاء الباحثين، وإنما التوقف عند الصفة البحثية.
ج ــ وفي الحالة الثالثة، نعاين حضور مجموعة من الصحافيين الإسلاميين في صحف مستقلة، مثل صحيفة "المساء" اليومية وصحيفة "الأيام" الأسبوعية، حيث يتكلفون بتمرير وجهة نظر المشروع في قضايا الساحة، كما عاينا على سبيل المثال، في تفاعل صحيفة "الأيام" مع أحداث الحسيمة منذ مطلع 2017، فقد كانت رواية حزب العدالة والتنمية الأكثر حضوراً في الجريدة، بسبب تكليف صحافيين إسلاميين بموضوع المتابعة الإعلامية.
على أن القضية الأكبر من بين كل التي سبقت هي تلك التي تورط فيها كل من نائبي رئيس حركة التوحيد والإصلاح، مولاي عمر بن حماد، وفاطمة النجار عندما ضبطا من قبل رجال الأمن وهما يمارسان الجنس داخل سيارة قرب شاطئ المنصورية بالمحمدية، وهي الواقعة التي تجاوزت الحدود الجغرافية في زمن الانفتاح الإعلامي والثورة الرقمية، ولذلك تناولتها العديد من المنابر الإعلامية الدولية، فالأحرى المحلية.
وبسبب تداعيات القضية، تم استبعاد عمر بن حماد، وفاطمة النجار من مؤسسات الحركة، حيث أشار حينها قيادي من حركة التوحيد والإصلاح، من أنه فور علم الحركة بالخبر دعت كامل أعضاء المكتب التنفيذي للقاء استثنائي خُصص لمحاسبة عمر بنحماد وفاطمة النجار، حيث انتهى بتجميد عضويتهما من الحركة، تطبيقا للمادة 5-1 من النظام الداخلي للحركة".33
تميزت هذه الحقبة الزمنية بصدور كتاب يُصنف التأريخ غير الرسمي لمسار الحركة الإسلامية، وتلت أعمالاً سابقة، نذكر منها مؤلفات فريد الأنصاري، أي "البيان الدعوي"؛ "الأخطاء الستة للحركة الإسلامية"؛ "الفِطرية"، و كتاب لحسن كرام وعنوانه "الذئاب الملتحية"، وكذلك أعمال أخرى، روائية أو توثيقية.
وتميزت هذه الحقبة برحيل القيادي عبدالله باها، وزير الدولة وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، ونائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في حادثة سير أسالت بدورها الكثير من المداد، بين قراءات تنتصر لعقل المؤامرة، وقراءات مضادة تدعي معطيات مضادة، وأن الحادثة تبقى حادثة عادية.
وتعود أسباب هذا التباين إلى أن الحادث وقع بالقرب من المكان نفسه (واد الشراط) الذي فارق الحياة به القيادي السابق في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الراحل أحمد الزايدي.
واستبعد الكثير من المتتبعين أن يكون الحادث مدبراً، كما حاول أتباع العدالة والتنمية أن يروجوا لذلك بهدف كسب التعاطف الشعبي، على اعتبارِ أنه لا يحوز أي ملفات حساسة يمكن أن تدفع جهة ما إلى السعي لاغتياله، "فالملفات الحساسة كما يعلم الجميع كلّها بيَد الملك ولدى أجهزة الأمن، ولا أعتقد أن جهة ما تقف خلْف مقتل بها" يقول الإعلامي المخضرم الجامعي، والذي اعتبر أنه "ليس من مصلحة أي جهة استهداف حزب العدالة والتنمية عبر اغتيال عبد الله بها الذي كان إبان حياته من أبرز قياديي التنظيم وأنجعهم، "لأن الذي سيحصل لو أن جهة ما وقفت خلف الحادث، هو أن هذه الجهة المفترضة ستقدم لحزب العدالة والتنمية شهيداً، وفرصة لكسب تعاطف الرأي العام الوطني والدولي، وبالتالي تكون قد قدمت له هدية على طبق من ذهب".34
لكن عبدالإله بنكيران عاد من جديد وبعد مرور أزيد من سنة على وفاة عبدالله باها، إلى النبش في ظروف وملابسات وفاته على سكة القطار، مشككاً في الموت الغامض لرفيق دربه، وقال بنكيران: "يظهر لي أنهم قاموا بشي مؤامرة".35
الإعفاء الدستوري لعبدالإله بنكيران من رئاسة الحكومة
من المشاكل التي طالت مشروع حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، تلك المرتبطة بزلات اللسان المرتبطة ببعض مواقف الرجل الأول في المشروع، عبد الإله بنكيران، سواء كانت تهم الوضع الداخلي أو الإقليمي أو الدولي، بل إن بعضها كاد أن يتسبب مراراً في اندلاع أزمات دبلوماسية مجانية، من قبيل انتقاداته ذات الصلة بموضوع تقنين زراعة الكيف والحشيش، قائلاً "هؤلاء يريدون تحويل المغرب إلى الحالة الكولومبية ودولة العصابات"، وهو ما جعل سفارة كولومبيا بالرباط تدخل على الخط وتقوم بالتحقيق في هذه التصريحات غير المسؤولة، من خلال البحث عن شريط فيديو للقاء الحزبي الذي انعقد بمقر حزب العدالة والتنمية نهاية الأسبوع الأول من شهر أبريل 2016. بل تطور الأمر إلى صدور رد على لسان رئيس البرلمان الكوبي الذي أكد أن برلمان بلاده قرر الاستماع في جلسة عمومية لممثلين عن جبهة البوليساريو الانفصالية، وقال "إن هذا القرار اتخذه المجلس بإجماع كافة أعضائه بطلب من مجموعة من النواب المتعاطفين مع الجبهة الانفصالية، موضحا "أن البرلمان الكولومبي يناقش القضايا الوطنية وكذلك الدولية التي تعتبر ذات أهمية".36
تصريحات الرجل الأول في المشروع طالت المؤسسة الملكية، في أكثر من مناسبة، لعل أهمها تلك المرتبطة بسياق مغربي استراتيجي مرتبط بالانفتاح على القارة الإفريقية، مقابل أخذ مسافة من الصراعات القائمة في المشرق العربي، حيث سبق له في هذه الجزئية، أن صَرح بنكيران في كلمته خلال الجمع العام العادي لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب التابعة لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي التابعة للمشروع: "لا يمكن أن يذهب الملك إلى تفريج كربات بعض الشعوب الإفريقية، ونهين الشعب المغربي ،هذه إهانة للشعب المغربي" قبل أن يتدارك ويقول "هذه إهانة للشعب المغربي إذا لم نحترم إرادته في تشكيل الحكومة".37
ومن غير المستبعد أن تكون هذه المواقف الصريحة الصادرة عن قيادات المشروع، ومعها قضايا وأحداث جرت في الكواليس لم يتم الكشف عنها للرأي العام، وأيضاً بعض قلاقل قضايا المشرق، قد عجلت بإعفاء عبد الإله بنكيران من قبل المؤسسة الملكية، عندما أصدر الديوان الملكي في 15 مارس 2017، بياناً جاء فيه أن قرار عزل بنكيران يأتي بعد خمسة أشهر من قيادته للتشاور من أجل تشكيل أغلبية حكومية، وغياب أي مؤشرات توحي بقرب تشكيلها، ويضيف البيان إن الملك محمد السادس "سبق أن حث رئيس الحكومة المعين، عدة مرات، على تسريع تكوين الحكومة الجديدة"، ولكنه بعد العودة من جولة إفريقية قبل أسبوع "أخذ علما بأن المشاورات التي قام بها السيد رئيس الحكومة المعين، لمدة تجاوزت الخمسة أشهر، لم تسفر إلى حد اليوم، عن تشكيل أغلبية حكومية، إضافة إلى انعدام مؤشرات توحي بقرب تشكيلها"، ويوضح البيان أنه بموجب الدستور المغربي فإن الملك محمد السادس قرر أن "يُعين كرئيس حكومة جديد، شخصية سياسية أخرى من حزب العدالة والتنمية"، وهو ما يؤكد أنه سيتم "ضمن كل الاختيارات المتاحة التي يمنحها له نص وروح الدستور"، وفق نص البيان، مشيراً إلى أن الملك سيستقبل "في القريب العاجل" الشخصية التي ستخلف بنكيران في رئاسة الحكومة، "وسيكلفها بتشكيل الحكومة الجديدة".38
بعد ذلك، سيقدم بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بصفته نائبا برلمانيا منتخبا بدائرة سلا برسم الاقتراع الذي أجري يوم 7 أكتوبر 2016، استقالته من البرلمان، وحسب ما نقله الموقع الرسمي للحزب، فيعتبر هذا الإجراء تصحيحاً لوضعية ترتبت بعد تعيينه رئيسا للحكومة مكلفا بتشكيلها عقب الانتخابات التشريعية الأخيرة، مما جعله في وضعية التنافي مع الصفة البرلمانية، وسوف تقف هذه التطورات وراء اندلاع بعض الخلافات التنظيمية بين ما قد نصطلح عليه تيار عبد الإله بنكيران وتيار سعد الدين العثماني39 في المشروع، واتضحت معالم هذه الخلافات في عدة محطات، نذكر منها، التداعيات التي طالت المؤسسة التشريعية، على اعتبار أن حزب المصباح يقود الحكومة المغربية الحالية، حيث أعطى بنكيران الضوء الأخضر لفريق حزبه بمجلس المستشارين لتوجيه انتقادات إلى حكومة سعد الدين العثماني، حيث كانت "لمسة بنكيران حاضرة في كلمة فريق حزب العدالة والتنمية أثناء مناقشة التصريح الحكومي أواخر شهر أبريل 2017"40 وعاينا نفس المعطى في تفاعل حركة التوحيد والإصلاح مع الثنائي بنكيران ـ العثماني.41
الشبيبة الإسلامية.. قضية بنجلون، وعودة منفيين
على غير العادة مقارنة مع الأعوام السابقة، كانت الحقبة الزمنية الممتدة بين 2015 و2017 حافلة بالأحداث التي تخص حركة الشبيبة الإسلامية، نذكر منها عودة ستة أعضاء منتمين إلى المغرب بعد أزيد من ثلاثين عاما قضوها في المنفى في دول أوروبية فروا إليها وعاشوا فيها طيلة هذه المدة بعيداً عن الوطن والعائلة، بسبب تبعات نشر مذكرات بحث صدرت في حقهم بعد عمليات البحث عنهم التي باشرتها عناصر الأمن، عقب توقيف جماعة منتمية إلى الشبيبة الإسلامية سنة 1985 معروفة بـ"حكيمي بلقاسم ومن معه"، والتي صدر فيها 14 حكم بالإعدام حضورياً وغيابياً.
وقد جاءت عودة هؤلاء بتاريخ 26 أبريل 2015، بعدما سقطت قضاياهم بالتقادم الجنائي بعد مضي أزيد من 15 سنة، وهو المخرج القانوني الذي سمح للجهات المعنية بتسوية أوضاع كل المنفيين السياسيين الإسلاميين، بمن فيهم زعيم الشبيبة الإسلامية عبدالكريم مطيع، في الوقت الذي يرى أغلب المتتبعين أن هذه التسوية جاءت متأخرة مقارنة مع التسوية التي حظي بها ملف اليساريين، الذي تم طيه بشكل نهائي قبل قرابة عقد ونصف من الزمن.
يتعلق الأمر بستين جبارة، وجامع إشاعن، وعبدالمجيد حليمي، وشوقي رفاعي، ومحمد اعماجو، رافقهم أثناء دخولهم المغرب القيادي السابق في الشبيبة الإسلامية السيد ولد الحبيب، الذي سبق أن عاد إلى البلاد سنة 2014، بعد تصفية ملفه القضائي الثقيل من أحكام الإعدام ومذكرات البحث الصادرة في حقه، عكس العائدين سالفي الذكر، الذين كانوا ضمن عشرات ممن ذكرت أسماؤهم خلال التحريات الأمنية التي ارتبطت بمحاكمات الإسلاميين، إذ كانوا يخالطون في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات العناصر المتورطة والمتهمة، وأخبروا من قبل عائلاتهم، بأن الشرطة تبحث عنهم في منازلهم، فكان أن احتاطوا من الدخول إلى المغرب طيلة هذه المدة التي تجاوزت 30 سنة.42
وواضح أن عدم تفاعل صناع القرار مع ملف المعتقلين الإسلاميين من تيار "الشبيبة الإسلامية"، يُفسر توجيه أغلب المعتقلين نداءات من أجل الإفراج عن كل المعتقلين والمنفيين الإسلاميين، رافعين شعار "إن الوطن غفور رحيم"، منذ سنة 1994، أي السنة التي استفاد منها جل المعتقلين والمنفيين السياسيين اليساريين.
ولهذا الغرض تأسست جمعية "التجمع من أجل كرامة الإنسان"، التي يطلق عليها اختصارا "تمكين"، وساهمت في التوسط بين الدولة والمعتقلين، حيث تمّ الإفراج عن عدد من معتقلي الشبيبة الإسلامية سنة 2004، بعد إصدار عفو ملكي شامل استفاد منه حكيمي وعقيل وبوصوف وآخرون من المدانين في محاكمة 1994، لكن ملف المنفيين بقي عالقا إلى أن تم طي جزء منه متعلق بمن أسقطت المتابعات عنهم بقوة "التقادم الجنائي"، لكن البعض ممن ترتبط أسماؤهم بما يعرف بقضية "أطلس آسني"، التي تعود إلى سنة 1994، مازالوا متخوفين من الدخول، ولم يتأكدوا بعد من طي ملفاتهم.
أداء تنظيم الشبيبة الإسلامية تميز أيضاً بإصدار بلاغات وبيانات تصدر بين الحين والآخر، واستجوابات يجريها عدد من قياداتها سواء الحالية أو التي كانت، مع الصحافة الوطنية والأجنبية، ومن البيانات التي أصدرتها الشبيبة الإسلامية، البيان التضامني مع جماعة الإخوان المسلمين بالأردن بتاريخ 17 أبريل 2016؛ كما بقيت الشبيبة الإسلامية وفية للخيار النقدي ضد الإخوان سابقاً في التنظيم، وفي مقدمتهم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، حيث السائد في خطاب التيار، وخاصة في الكواليس، أن "الشبيبة الإسلامية" تعرضت لما يُشبه الخيانة من داخل التنظيم، كما اتضح ذلك مع التطورات التي تسارعت مباشرة بعد اغتيال عمر بنجلون في 18 دجنبر من سنة 1975.
البديل الحضاري والحركة من أجل الأمة: بين الانتظارية ومراجعة الذات
نسجل بداية أن تداعيات أحداث خلية بلعيرج الإرهابية ما تزال مسيطرة ومؤثرة وما تزال فصولها تنعكس سلباً على أداء كل من الحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري، وإجمالاً، يمكن الجزم بأن الحركة من أجل الأمة والبديل الحضاري، كانتا ضحية صراعات داخلية شخصية انطلقت بعد الانفصال التدريجي عن تنظيم "الاختيار الإسلامي"، وبالضبط عندما فشلا في تأسيس تحالف الوحدة مع "رابطة المستقبل الإسلامي"، انتهى بدخول حركة الإصلاح والتجديد على الخط واستحواذها في شخص بنكيران على تفاصيل هذا التحالف، وتأسيس بالتالي حركة التوحيد والإصلاح سنة 1996، وبالنتيجة، انهار تنظيم الاختيار الإسلامي وتفرق أعضاؤه شيعا وتوزعوا إلى فئتين متصارعتين، كل فئة تحمل المسؤولية للأخرى وتلقي باللائمة عليها.
وقد أصبح حضور الحركة والبديل اليوم مُجسداً في العالم الرقمي، أكثر منه في الواقع المادي، بفعل الأفول التنظيمي، بالصيغة التي تزكيها العديد من المؤشرات، أقلها الغياب الإعلامي والاقتصار على اختزال الحضور في توقيع مقالات رأي، مع مصطفى المعتصم بالنسبة للبديل الحضاري وإدريس مستعد بالنسبة للحركة من أجل الأمة.
خلاصات تركيبية
ثمة تباين كبير في أداء إسلاميي الساحة المغربية، أي التباين في أداء مشروع حركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية" من جهة، ومشروع جماعة العدل والإحسان غير المرخص لها من جهة ثانية.
فمقابل استمرار المشروع الأول في الانتشار المؤسساتي والمجتمعي، وهو الانتشار الذي عشش في مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، يمر مشروع جماعة "العدل والإحسان" المحظورة رسميا، من حالة انتظارية كانت قائمة في مرحلة مؤسسها الشيخ عبدالسلام ياسين، وتفاقمت في مرحلة ما بعد وفاته، ولو أنها لا زالت حاضرة في عدة محطات مجتمعية، ذات صلة بقطاعات حيوية كالتعليم والعمل الديني، إضافة إلى الحضور في المحطات الاحتجاجية التي مر منها المغرب خلال العقد الأخير، سواء مع النسخة المغربية من أحداث الربيع العربي، أو مع أحداث الحسيمة سالفة الذكر، مع التأكيد أن الانتشار المجتمعي للمشروع الثاني، يتم موازاة مع الانتشار المؤسساتي والمجتمعي للمشروع الأول.
نقلا عن المركز العربي للبحوث والدراسات